سورة إبراهيم - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


قوله عز وجل: {وأنذر النّاس يَوْمَ يأتيهم العذاب} معناه وأنذرهم باليوم الذي يأتيهم فيه العذاب، يعني يوم القيامة. وإنما خصه بيوم العذاب وإن كان يوم الثواب أيضاً لأن الكلام خرج مخرج التهديد للعاصي وإن تضمن ترغيباً للمطيع.
{فيقول الذين ظلَموا ربّنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرُّسل} طلبوا رجوعاً إلى الدنيا حين ظهر لهم الحق في الآخرة ليستدركوا فارط ذنوبهم، وليست الآخرة دار توبة فتقبل توبتهم، كما ليست بدار تكليف فيستأنف تكليفهم. فأجابهم الله تعالى عن هذا الطلب فقال:
{أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ} فيه وجهان:
أحدهما: ما لكم من انتقال عن الدنيا إلى الآخرة، قاله مجاهد.
الثاني: ما لكم من زوال عن العذاب، قاله الحسن.
قوله عز وجل: {وقد مكروا مكرهم} فيه قولان:
أحدهما: أنه عنى بالمكر الشرك، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه عنى به العتو والتجبّر، وهي فيمن تجبر في ملكه وصعد مع النسرين في الهواء، قاله علي رضي الله عنه. وقال ابن عباس: هو النمرود بن كنعان بن سنحاريب بن حام بن نوح بنى الصرح في قرية الرس من سواد الكوفة، وجعل طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع وخمسة وعشرين ذراعاً وصعد منه مع النسور، فلما علم أنه لا سبيل إلى السماء اتخذه حصناً وجمع فيه أهله وولده ليتحصن فيه، فأتى الله بنيانه من القواعد، فتداعى الصرح عليهم، فهلكوا جميعاً، فهذا معنى قوله {وقد مكروا مكرهم}.
{وعند الله مكرهم} فيه وجهان:
أحدهما: وعند الله مكرهم عالماً به لا يخفى عليه، قاله علي بن عيسى.
الثاني: وعند الله مكرهم محفوظاً عليهم حتى يجازيهم عليه، قاله الحسن وقتادة.
{وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} فيه قراءتان.
إحداهما: بكسر اللام الأولى وفتح الثانية، ومعناها وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، احتقاراً له، قاله ابن عباس والحسن.
الثانية: بفتح اللام الأولى وضم الثانية، ومعناها وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال استعظاماً له. قرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم {وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال}.
وفي {الجبال} التي عنى زوالها بمكرهم قولان: أحدهما: جبال الأرض.
الثاني: الإسلام والقرآن، لأنه لثبوته، ورسوخه كالجبال.


قوله عز وجل: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} فيه قولان:
أحدهما: أنها تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة، لم تعمل عليها خطيئة، قاله ابن مسعود. وقال ابن عباس: تبدل الأرض من فضة بيضاء.
الثاني: أنها هي هذه الأرض، وإنما تبدل صورتها ويطهر دنسها، قاله الحسن.
{السمواتُ} فيها ستة أقاويل:
أحدها: أن السموات تبدل بغيرها كالأرض فتجعل السماء من ذهب، والأرض من فضة، قاله علي بن أبي طالب.
الثاني: أن السموات تبدل بغيرها كالأرض، فتصير السموات جناناً والبحار نيراناً وتبدل الأرض بغيرها، قاله كعب الأحبار.
الثالث: أن تبديل السموات تكوير شمسها وتكاثر نجومها، قاله ابن عيسى.
الرابع: أن تبديلها أن تطوى كطي السجل للكتب، قاله القاسم بن يحيى.
الخامس: أن تبديلها أن تنشق فلا تظل، قاله ابن شجرة.
السادس: أن تبديلها اختلاف أحوالها، تكون في حال كالمهل، وفي حال كالوردة، وفي حال كالدهان، حكاه ابن الأنباري.
{وبرزوا لله الواحد القهار} أي صاروا إلى حكم الله تعالى وأمره فروى الحسن قال: قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله يوم تبدَّل الأرض غير الأرض أين الناس يومئذٍ؟ قال «إن هذا الشيء ما سألني عنه أحد ثم قال على الصراط يا عايشة».


قوله عز وجل: {وترى المجرمين يومئذٍ مقرنين في الأصفاد} فيه قولان:
أحدهما: أن الأصفاد الأغلال، واحدها صفد، ومنه قول حسان:
ما بين مأسورٍ يشد صِفادُهُ *** صقرٍ إذا لاقى الكريهة حامي
الثاني: أنها القيود، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
فآبوا بالنهاب وبالسبايا *** وأُبنا بالملوكِ مُصَفّدينا
أي مقيّدين. وأما قول النابغة الذبياني:
هذا الثناء فإن تسمع لقائله *** فلم أعرض، أبيت اللعن، بالصفدِ
فأراد بالصفد العطية، وقيل لها صف لأنها تقيد المودة.
وفي المجرمين المقرنين في الأصفاد قولان:
أحدهما: أنهم الكفار يجمعون في الأصفاد كما اجتمعوا في الدنيا على المعاصي.
الثاني: أنه يجمع بين الكافر والشيطان في الأصفاد.
قوله عز وجل: {سرابيلهم مِن قطرانٍ} السرابيل: القمص، واحدها سربال، ومنه قول الأعشى:
عهدي بها في الحي قد سربلت *** صفراء مثل المهرة الضامر
وفي القطران ها هنا قولان:
أحدهما: أنه القطران الذي تهنأ به الجمال، قاله الحسن، وإنما جعلت سرابيلهم من قطران لإسراع النار إليها.
الثاني: أنه النحاس الحامي، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
وقرأ عكرمة وسعيد بن جبير {من قطران} بكسر القاف وتنوين الراء وهمزآن لأن القطر النحاس، ومنه قوله تعالى {آتوني أفرغ عليه قطراً} [الكهف: 96] والآني: الحامي، ومنه قوله تعالى {وبين حَمِيمٍ آن} [الرحمن: 44].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7